(رويترز)
(رويترز)
الثلاثاء 23 أبريل 2024 / 08:50

سيف "الفيتو" الأمريكي

نبيل سالم - الخليج الإماراتية

كعادتها في عرقلة القرارات الدولية الداعمة للقضية الفلسطينية استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار جزائري تم تقديمه باسم المجموعة العربية يدعو لقبول دولة فلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة.

أيد مشروع القرار المذكور 12 عضواً من بين أعضاء المجلس الخمسة عشر، وامتنعت المملكة المتحدة وسويسرا عن التصويت، فيما شهرت واشنطن كعادتها سيف "الفيتو" في وجه القرار، لتبرهن من جديد عداءها وتنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني، بل مشاركتها في حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، إذا ما تذكرنا أن هذا "الفيتو" الأمريكي استخدم أيضاً 4 مرات خلال 7 أشهر لإحباط مشاريع قرارات تدعو إلى وقف الحرب الإسرائيلية على غزة.
وبحسب السفير الجزائري في المنظمة الدولية عمار بن جامع، فإن قبول العضوية الكاملة لفلسطين يعد خطوة حاسمة "نحو تصحيح ظلم طال أمده ويمثل إشارة واضحة إلى وقوف المجتمع الدولي إلى جانب فلسطين".
ويؤكد "الفيتو" الأمريكي الجديد أن السياسة الأمريكية، حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ظلت على الدوام الداعم الأكبر للاحتلال الإسرائيلي، والمشارك الرئيسي في الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وأولها التنكر للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تستخدم واشنطن حق النقض تجاه قرارات في مجلس الأمن تخدم ولو بنزر يسير الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
وعلى الرغم من أن مجلس الأمن الدولي الذي تم تأسيسه عام 1945، شكل في الأساس بحجة تحقيق الأمن والعدالة في العالم، إلا أن احتكار الدول الخمس الكبرى فيه لقرار حق النقض (الفيتو) بدد الآمال التي عقدت على هذا المجلس، إذ تكفي الإشارة إلى أنه ووفق الأرقام الرسمية تم استخدام هذا الحق 260 مرة منذ إنشاء مجلس الأمن، كان نصيب الولايات المتحدة منها 114 مرة من بينها 80 مرة استخدمت فيها واشنطن حق النقض لمنع إدانة "إسرائيل"، و34 مرة ضد قرارات تساند حق الشعب الفلسطيني.
والمفارقة التي تدعو للاستهجان أن الولايات المتحدة التي تزعم رغبتها في رعاية عملية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتصف نفسها بـ"الوسيط النزيه"، تعتمد سياسة تقوم على دعم "إسرائيل" وتقف إلى جانبها في المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة. كما أنها تغمض عينها عن عمليات مصادرة الأرض والتوسع والتهويد وإقامة المستوطنات، وانتهاك المقدسات الإسلامية المسيحية، كما أنها اعترفت بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل، في انتهاك واضح للقرارات الدولية الخاصة بالمدينة وبالضفة الغربية باعتبارها أرضاً محتلة.
إن معارضة انضمام فلسطين كدولة عضو في الأمم المتحدة، يصعب تفسيره، إذ فيما يكرر المسؤولون الأمريكيون أنهم مع حل الدولتين، فإن إدارة الرئيس جو بايدن تسعى بكل قوة إلى عرقلة تجسيد فكرة الدولة الفلسطينية على الأرض متماهية في ذلك مع المواقف الإسرائيلية، زاعمة أن اعتبار فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، سيترك تداعيات سلبية لعملية السلام في المنطقة وسيعرقل الجهود الدولية للتوصل إلى حل سلمي ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل الأكثر مدعاة للتساؤل القول بأن قيام الدولة الفلسطينية يتم من خلال مفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهو تبرير لعدم قيام الدولة الفلسطينية مطلقاً لأن إسرائيل ترفض قيام هذه الدولة مطلقاً ولا تعترف حتى بوجود الشعب الفلسطيني.
ويؤكد الكثير من المتابعين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن استخدام الولايات المتحدة لحق النقض لمنع انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة كدولة مستقلة يعزز الانفصال الأمريكي عن العملية السياسية في الشرق الأوسط، ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك استحالة أن تكون الولايات المتحدة وسيطاً في أي عملية سلام في المنطقة، وأنه رغم استخدام واشنطن حق النقض في مواجهة المجتمع الدولي الداعي لإنصاف الشعب، فإن الجهود الدولية لدعم حق فلسطين في العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ستبقى مستمرة.
وتواجه سياسة الولايات المتحدة تحديات وانتقادات كثيرة بسبب انحيازها القوي لإسرائيل، بما في ذلك تقويض مصداقيتها كوسيط في عملية السلام.
ولكي نتفهم أكثر مدى مجافاة المواقف الأمريكية للقوانين الدولية التي تزعم الحرص عليها ومراعاتها نعود إلى الوراء قليلاً، حيث يجب التذكير بأن انضمام إسرائيل إلى الأمم المتحدة في الحادي عشر من مايو(أيار) 1949 كان مشروطاً بأن تتعهد بتطبيق قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر(تشرين الثاني) 1947 والقرار 194 المعروف بقرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين الصادر في 11 ديسمبر(كانون الأول) 1948، وهو ما لم تلتزم به إسرائيل إلى يومنا هذا، ورغم ذلك تتجاهل واشنطن هذه الحقائق وتواصل الوقوف إلى جانب "إسرائيل" وتعرقل أي محاولة لأخذ فلسطين مكانها الطبيعي كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
يمكن القول إن استخدام الولايات المتحدة لسيف "الفيتو" ومواقفها المعادية للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة تمثل عقبة حقيقية في الجهود الدولية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويزيد من انعدام التوازن والعدالة في التعامل مع الصراع ويزيد من التوتر والاحتقان في هذه المنطقة.