لوحات إعلانية لمرشحي الانتخابات في تركيا (أرشيف)
لوحات إعلانية لمرشحي الانتخابات في تركيا (أرشيف)
الجمعة 26 أبريل 2024 / 12:22

حزب العدالة الحاكم يُواصل التراجع في "تركيا الجديدة"

بينما يميل غالبية الخريجين الأتراك الشباب بشكل مُتزايد إلى الهجرة، وفق دراسة أوروبية حديثة، خلص تحليل أجرته مؤسسة "لو موند" الإعلامية الفرنسية إلى أنّ الانتخابات البلدية التي جرت الشهر الماضي في تركيا، لا زالت تُؤدّي إلى تآكل المزيد من هالة الحزب الرئاسي الذي كان يُوصف بأنّه لا يُقهر، إلى الحدّ الذي بات فيه المُعارضون يُطلقون على بلدهم اسم "تركيا الجديدة".

قبل أردوغان بنتائج الانتخابات الأخيرة وهاتف زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل شخصياً

ويرى محللون سياسيون أنّ هناك رياح جديدة تهبّ على تركيا يُمكن الشعور بها بوضوح، إذ تبيّن أن تصويت 31 مارس (آذار) 2024، هو أسوأ انتكاسة للحزب الحاكم منذ عام 2002. حيث حدثت العديد من المفاجآت أكثر مما توقعه أيّ شخص. ومن الواضح أنّ الصدمة قد وضعت البلاد على مسار جديد. حتى أنّ صحيفة "جمهوريت" اليومية المُقرّبة من حزب المعارضة الرئيسي، سبق وأن صرخت على صفحتها الأولى قائلة "ها هي تركيا الجديدة!".

هجرة الأتراك

وكشفت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة "كونراد أديناور" في جميع أنحاء تركيا، أنّ ثلثي الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 25 عاماً يقولون إنهم مستعدون لمُغادرة تركيا إذا ما أتيحت لهم الفرصة، نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة، وخاصة بين أولئك الذين يُجرون دراسات جامعية طويلة مثل الأطباء أو المهندسين، والذين تظل ألمانيا بالنسبة لهم الوجهة الأكثر شعبية. وفي هذا الصدد طلب أكثر من 2000 طبيب جديد الوثائق اللازمة من نقابة الأطباء التركية ليتمكنوا من ممارسة المهنة في الخارج، وهو رقم سنوي قياسي.

وجاء في التحليل الفرنسي الذي نُشر يوم الخميس 25 أبريل (نيسان) الجاري، أنّه وللمرّة الأولى منذ تأسيسه، لم يعد حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم هو الحزب الأول، بل الحزب الثاني في تركيا. وعلى العكس من ذلك، فإنّ منافسه وخصمه التاريخي، حزب الشعب الجمهوري، الكمالي العلماني، يستعيد المركز الأول للمرة الأولى منذ عام 1977، وهو ما يتطلب منه الكثير من العمل للحفاظ على ما حققه من شعبية مُتزايدة مُقابل تراجع التحالف الحاكم.

السقوط الأكبر

وسقطت العشرات من المدن والمناطق التركية في أيدي حزب الشعب المُعارض في الانتخابات المحلية الأخيرة، وهو عدد أكبر بكثير مما توقّعه قادته. وفي أنقرة وحدها، حصل الحزب على 16 بلدية من أصل 25. وفي إسطنبول فاز بـِ26 منطقة من أصل 39، ما يعني 12 منطقة أخرى. وفي إزمير، وهي بالتأكيد معقل تقليدي للحزب العلماني، بات هناك في حوزته 28 منطقة من أصل 30.

وفي كل مكان، يُحرز حزب الشعب الجمهوري تقدّماً يتجاوز قاعدته التقليدية على الساحل الغربي، وخاصة في المدن الواقعة في قلب الأناضول وعلى ساحل البحر الأسود، معقل حزب العدالة والتنمية.

ويعتبر تحليل "اللو موند" أنّ المُفاجأة الأهم تكمن في أنّ الانتخابات البلدية وضعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرّة أخرى في موقف دفاعي، بعد تراجعه النسبي للمرّة الأولى في عام 2015 في الانتخابات التشريعية وخسارته حينها للأغلبية في البرلمان.

وأكدت النتائج أنّ الحزب الحاكم خسر أكثر من 5 ملايين صوت، وجُرف مرشحوه في المدن الرئيسية في البلاد. وتحدثت وسائل إعلام أجنبية ومُعارضة عن صفعة انتخابية وانتكاسة كبيرة. وفي أنقرة، يعج القصر الرئاسي بجميع أنواع الشائعات منذ عدّة أسابيع، حيث يُقال إنّ رئيس الدولة يُراجع النتائج ويُحلل أسباب الهزيمة، ومن حوله، المتوترين والمُنقسمين، ينتظرون القرار.

قبول الهزيمة

لكن بالمُقارنة مع ما حصل قبل نحو 8 سنوات، حيث واجه الحزب الحاكم انتكساته الخطيرة الأولى برفض تشكيل حكومة ائتلافية حينها، ونظّم انتخابات جديدة بالقوة انزلقت معها البلاد إلى العنف عبر اغتيالات سياسية واستئناف الاشتباكات مع حزب العمال الكردستاني، وحدوث انقلاب لاحقاً في عام 2016، فإنّ هناك اليوم علامات عديدة يُمكن أن تُشير إلى أساليب مختلفة حيث لا يُمكن تكرار ما حدث سابقاً في الظروف الراهنة، ولا حل مع قوة الصدمة سوى القبول بالهزيمة.

وبالفعل، فقد قبل أردوغان بنتائج الانتخابات الأخيرة، وهاتف زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل شخصياً بمناسبة عيد الفطر المُبارك، فيما خصصت صحيفة صباح اليومية المؤيدة للحكومة، عنوانها الرئيسي لمقابلة أجرتها مع رئيس المُعارضة التركية، مع صورة بارزة. وهو ما لم يكن من الممكن تصوّره قبل بضعة أشهر فقط.