الخميس 17 مارس 2022 / 11:41

واشنطن بوست: بوتين لا يستطيع كسب الحرب... ولا خسارتها

يعاني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد غزو أوكرانيا من معضلة مركزية وفقاً لتحليل الكاتب السياسي في صحيفة "واشنطن بوست" ماكس بوت، إنها حرب يعتقد بوتين أنه "لا يستطيع خسارتها" حسب تعبير مديرة الاستخبارات القومية أفريل هاينز، لكنها في الوقت نفسه حرب، لا يبدو أنه قادر على كسبها.

إذا كان بوتين يريد تفادي مستنقعٍ طويل المدى، سيحتاج عاجلاً أم آجلاً إلى تليين أهدافه المتطرفة وإنهاء هذه الحرب الشريرة.

استغرقت سيطرة القوات الأمريكية على بغداد في 2003 ثلاثة أسابيع فقط، بينما لا يزال بوتين أبعد ما يكون عن تحقيق أهدافه المعلنة في أوكرانيا، بعد ثلاثة أسابيع من بداية الغزو. سعى بوتين حسب ما أعلن إلى "نزع سلاح" أوكرانيا و"اجتثاث النازية" منها، ما يعني فرض نظام دمية في يد الروس فيها. 

رهان تلاشى
كان أفضل رهان للرئيس الروسي وفق الكاتب خوض حرب خاطفة نحو كييف في الأيام الأولى للحرب. لكن ذلك تلاشى ولم يظهر الجيش الروسي القدرة على إمداد طوابير مدرعاته باستمرار أو التنسيق بين العمليات الجوية والبرية.

حقق الروس تقدماً أفضل في الجنوب بالمقارنة مع الشمال، لكن تقدمهم توقف الآن ولايزالون عاجزين عن السيطرة على السماء. شن الأوكرانيون دفاعاً ذكياً وعنيداً وهي مهمة عسكرية أسهل بطبيعتها من الهجوم. ويحاول الجيش الروسي تعويض النقص في مهارته العسكرية بوحشية مطلقة. لكن يمكن أن ترتد هذه الوحشية عليها بظهور مقاومة أكثر صرامة.

ما يدركه بوتين 

صمدت لينيغراد أمام الحصار الألماني قرابة 900 يوم بين 1941 و1944، وعلى بوتين أن يدرك هذه القصة جيداً بما أن لينينغراد التي أصبحت اليوم سانت بطرسبورغ، هي مسقط رأسه وفيها مات شقيقه خلال الحصار.

لقد تضور سكان المدينة جوعاً لكنهم لم يستسلموا. أضاف بوت أن تدمير مدينة بالمدفعية والصواريخ أسهل كثيراً من احتلالها. تخلق الأنقاض مواقع قتالية للمدافعين وتعيق حركة المركبات المدرعة.

استوجب الأمر من القوات العراقية المدعومة من الجيش الأمريكي، 9 أشهر بين 2016 و2017 لاستعادة الموصل من أيدي قرابة 6 آلاف داعشي.

وتساءل الكاتب إذا كان بوتين يرغب في حصار مطول لكييف بينما تواصل العقوبات ضرب الاقتصاد الروسي وتستمر النعوش في العودة إلى الديار.

خسائر هائلة
يقدر المسؤولون الأمريكيون بتحفظ سقوط ما بين 5 و 6 آلاف جندي روسي في الأسبوعين الأولين للحرب، أو نحو 400 جندي في اليوم. وقد يكون الرقم الحقيقي قرابة 700 قتيل يومياً.

إن هذا النوع من الخسائر لم تشهده روسيا منذ 1945. ففي أفغانستان، خسر السوفييت ما معدله 5 قتلى يومياً، وحتى هذا الرقم كان كافياً لتقويض النظام.

يشعر بوتين بالضغط فعلاً وهو يحاول تجنيد مرتزقة سوريين وطلب من الصين تجهيزات عسكرية وفق بعض التقارير، إنها إشارات إلى أنه لا يملك ما يكفي من الجنود أو الأسلحة لتعويض خسائر أكبر من المتوقع في حرب لا تجري وفق المخطط.

إسقاط كييف لا يعني كسب الحرب
رأى بوت أن الروس قد يتمكنون من شق طريقهم إلى كييف. وقد يتمكنون من قتل أو القبض على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. لكن ذلك لن يكسبهم الحرب.

بإمكان الحكومة الأوكرانية الحرة الانتقال ببساطة إلى لفيف في غرب أوكرانيا، أو إلى بولندا ومواصلة حشد المقاومة.

ولكن بوتين بعيد عن ملكية ما يكفي من قوات في أوكرانيا، أقل من 190 ألفاً حسب التقديرات، للسيطرة على دولة تحتضن أكثر من 43 مليون نسمة.

وهناك احتمالات ضئيلة ليجند بوتين قوات أمنية موالية للروس في غرب أوكرانيا، كما فعل في شرقها أو في سوريا.

حتى الأوكرانيين الذين كانوا في يوم من الأيام ودودين مع موسكو أصبحوا الآن غارقين في كره روسيا. وتتواصل الاحتجاجات المناهضة لروسيا تحت مرمى أسلحة المحتلين.

حرب العصابات
في كتابه "الجيوش الخفية: تاريخ ملحمي لحرب العصابات من العصور القديمة إلى الحاضر"، يخلص بوت إلى أن مكافحة التمرد القائمة على سياسة الأرض المحروقة غير فعالة إلا إذا كان الذين يخوضون حرب العصابات، ضعافاً ومنقطعين عن المساعدة الخارجية وحين يكون مكافحو التمرد أكبر عدداً بكثير ويحظون بشرعية سياسية.

انطبقت هذه الشروط على الشيشان التي مثلت حرب بوتين الأولى. لكن لا ينطبق أي واحد منها في أوكرانيا، ولا في أفغانستان سابقاً.

جحيم متبادل
جعل بوتين حياة المدنيين الأوكرانيين جحيماً، لكن المقاتلين الأوكرانيين يمكنهم أن يجعلوا حياة القوات الروسية جحيماً لسنوات مقبلة، وسيتطلب الأمر أكثر من بضع ضربات صاروخية لقطع خطوط الإمداد الأوكرانية عن جيرانها في حلف شمال الأطلسي.

ما يقنع بوت بأن روسيا لا تستطيع الفوز هو مقولة نابوليون: "في الحرب، تساوي القوة الأخلاقية ثلاثة أرباع القوة المادية".

قد تكون للروس عدة أكبر، لكن للأوكرانيين مزية أخلاقية ومعنوية حاسمة، فبينما يقاتل الأوكرانيون من أجل وطنهم، لم يُبلغ عدد كبير من الجنود الروس بالمكان الذي كانوا يتوجهون إليه واستسلموا في أول فرصة.

حاجة بوتين
إذا كان بوتين يريد تفادي مستنقعٍ طويل المدى، سيحتاج عاجلاً أم آجلاً إلى تليين أهدافه المتطرفة وإنهاء هذه الحرب الشريرة.

إن الطريق الوحيدة هي القبول بالهزيمة مع تسميتها انتصاراً. ولحسن حظه، هو مراوغ متمرس. ولكن الخطر الكبير، ألا يكون بوتين عقلانياً بشكل كامل في أوكرانيا، لذلك، قد يحاول مواصلة الفوز بحرب لا يمكن كسبها، وبكلفة مرتفعة على الطرفين.